يستخدم موقعنا الإلكتروني ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك وإضفاء الطابع الشخصي عليها ولعرض الإعلانات (إن وجدت). قد يتضمن موقعنا الإلكتروني أيضًا ملفات تعريف الارتباط من أطراف ثالثة مثل Google Adsense و Google Analytics و Youtube. باستخدام موقع الويب ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. لقد قمنا بتحديث سياسة الخصوصية الخاصة بنا. الرجاء النقر فوق الزر للتحقق من سياسة الخصوصية الخاصة بنا.

”جيش حزب الله الجديد“: التعبئة تفاجئ النخبة

حزب الله يتفوق على الجغرافيا

جمال شعيب

«من قاموا بتحرير الجرود هم نواة التشكيلات الاساسية في حزب الله التي قاتلت في القلمون وقارة والقصير وفي مختلف المعارك» (إحدالقادة الميدانيين في حزب الله في لقاء مع وفد اعلامي)

حزب الله والجغرافيا
«من مزارع ريما الى فليطة» فرضت الجغرافيا (تضاريساً ومساحة) على حزب الله إسلوباً جديداً في القتال، يومها، تحدث كثيرون عن «قرب ابتلاع الجغرافيا لقدرات حزب الله»، ويومها كتبت مقالاً مفصلاً، لم يكن رداً بقدر ما كان شرحاً مسهباً بعنوان «حين لم تبتلع الجغرافيا قدرات حزب الله»، وأوردت فيه بعض الأمثلة عن التكتيكات القتالية، الخطط. والتجارب التي فرضت تغييراً سريعاً في اساليب الهجوم والانتشار والتموضع وأدت الى تحقيق نصر مفاجئ وحاسم في القلمون.
اليوم وبعد سنوات على مراكمة «الخبرة القتالية» في مختلف جبهات سوريا، كان حزب الله أمام تحد جديد، لا تمثل الجبال ولا الأودية عوامل الصعوبة الوحيدة فيه، بل «المقالع الصخرية» التي تحولت الى مراكز دفاع «حصينة»، ومثل تشابك التلال والأودية فيها سلسلة مترابطة تشكل حاجزاً طبيعياً منيعاً أمام أي محاولة للتقدم، على أرض تقل فيها الكتل الاسمنتية (المباني) وتكثر فيها الأفخاخ المتنوعة من المُغر والكهوف الى الحُفر العامودية المعاكسة للمنحدرات وذات الأبواب السرية.
ومن يعرف صخر جرود عرسال القاسي، ومرتفعاتها الجرداء، يعرف عن ماذا نتحدث : «كسارات تمتد الى ما لا نهاية، أنفاق وكهوف حفرت في الجبال وتم توسيعها لتشكل غرف عمليات ومراكز قيادة حصينة، مواقع سابقة للفدائيين (الفلسطينيين) تم رفع مستوى التحصين فيها الى مستويات غير مسبوقة».. وأكثر.. إنهار كله أمام اندفاعة قوات حزب الله وفي زمن قياسي.


بالإضافة الى كل ذلك. جاء التحدي الإضافي الذي يمثله القتال في المرتفعات، حيث يتأثر المقاتل سلباً بالضغط الجوي والجاذبية ونقص الأوكسجين خصوصاً على الارتفاعات التي تتجاوز الـ ٢٠٠٠ متر، والتي تتجنب حتى الفرق الرياضية المحترفة. التي يتم تأهيلها بدنياً بشكل يومي التواجد فيها أو خوض المباريات على أرضها، فكيف إذا كان كل ذلك مترافقاً مع ارتفاعات قياسية في الحرارة خلال شهر تموز وفي صيف يعتبر من الأكثر حماوة خلال السنوات الأخيرة في لبنان.
كما لا بد من الإشارة الى مسألة مهمة جداً في إدارة المعارك وتتمثل في تأمين وصول الذخائر والأسلحة للقوات المتقدمة وفق آليات ومواقيت محددة، قد يتسبب أي خلل فيها بخسارة موقع أو الفشل في السيطرة على آخر، وهنا كانت معضلة الدعم اللوجستي لمجموعات الاقتحام إحدى أولى المعضلات التي تم وضع الحلول المبتكرة لها، سواء عبر تجهيز آليات صغيرة ومعدلة بحيث يمكنها عبور الممرات الضيقة وتجاوز العوائق المختلفة، بالإضافة الى «الأرتال» البشرية التي تكفلت بنقل بعض الذخائر والأسلحة بتراتبية دقيقة تضع في أولوياتها «الحاجات» الأساسية، وأهمها مستلزمات التثبيت والتعزيز.
مشاة حزب الله يقتحمون المرتفعات بمجموعات كبيرة عددياً

معركة الجرود: جيش حزب الله الجديد

أ- مفاجآت «التعبئة»
«لقد قاتلنا على مساحة 100 كيلومتر بين جرود فليطة في سوريا وعرسال في لبنان» (قائد ميداني في حزب الله)
من المتعارف عليه إن نسبة أعداد القوات المهاجمة إلى القوة المدافعة -في سياقات الحرب وتقدير الموقف- في أحسن حالاتها هي نسبة (1-5) أو (1-3)، مع أفضلية مُطلقة للمدافع المتحصن، خاصة في المرتفعات، لذا كان واضحاً وضرورياً في آن أن يقوم حزب بدفع أعداد كبيرة من المقاتلين إلى ميدان المعركة بما يتيح لها إمكانية المناورة وإدامة زخم المعركة، وفتح جبهات متعددة، وتأمين احتياطيات مناسبة، وخطوط إمداد محمية ومستمرة لضمان نجاح العمليات.
كما أن المساحة الكبيرة لأرض المعركة (١٠٠ كيلومتر مربع) وتضاريسها المختلفة تحتم على المهاجم تكثيف الزخم الهجومي المتواصل مع تواجد عدد كبير من قوات الاحتياط الجاهزة لدخول أرض المعركة في مدد زمنية قصيرة وسريعة نسبياً.
وهذا ما قامت قيادة العمليات بتأمينه قبل انطلاق المعركة، حيث امتلأت مراكز التجمع (التي شاهدنا بعضها في أفلام مصورة) بالعديد القادم من مختلف التشكيلات القتالية في حزب الله، لا سيما تلك التي سبق لها القتال في سوريا، والتي غلب عليها عنصر «التعبئة*»، وعلمنا لاحقاً بأن القادة الميدانيين واجهوا مشكلة كبيرة لدى تحديد المجموعات التي ستنخرط في القتال الأولي، خاصة مع أولئك الذين لم يتم تحديد مهام لهم، وارتفعت اصواتهم بالاعتراض مطالبة بالمشاركة في المعارك من البداية.
هذا الحماس لدى شباب «التعبئة» كان عالياً إلى حد فاجأ القادة الميدانيين وعناصر «النخبة» الذين كانوا يتوقعون أقله أن يُسر هؤلاء لتقدم أصحاب الخبرة والدورات المكثفة عليهم في محاور الهجوم، وكانت أولى المفاجآت ليس في الحماس نفسه بل في مستوى الحماس العالي والاندفاع الكبير لديهم للمشاركة حتى على المحاور الأكثر صعوبة وفي المواجهات الأكثر عنفاً.
المفاجآة الثانية كانت خلال عمليات الاقتحام والقتال حيث كان شباب «التعبئة» يقدمون أداءاً قتالياً عالياً، برزت فيه الشجاعة والإقدام والجرأة بشكل لافت، وهو وإن لم يكن مستغرباً إلا أن مستواه العالي وانسحابه على مختلف المجموعات المشاركة منهم كان لافتاً وملحوظاً ومحط إعجاب الجميع.
وتتالت مفاجآت التعبئة بانجاز شبابها كل المهام الموكلة اليهم في عمليات الاقتحام والالتحام العديدة، خاصة تلك التي خاضوها من مسافة صفر، من صخرة الى صخرة ومن حفرة إلى حفرة ومن موقع الى موقع. بحسب ما أكد أكثر من مشارك وما اتضح لاحقاً من عدد الشهداء المحسوبين على عديدها.

ب – أنساق وتشكيلات هجومية جديدة
«خلال العملية، التحم المقاومون مع العدو من مسافات قريبة جدا وقاتلوا رجلا لرجل وواجهوا انغماسييهم في اكثر من مكان وقضوا عليهم» (من بيان غرفة عمليات المقاومة).
كان لافتاً في معركة الجرود اعتماد حزب الله انساقاً هجومية جديدة نسبة لمعاركه السابقة، خاصة لجهة الأعداد المشاركة في الهجمات، إذ وكما يتضح من المشاهد الموزعة من قبل الاعلام الحربي، أن المجموعات المشاركة في هذه المعركة كانت تنتشر أفقياً على مساحات كبيرة وبأعداد كبيرة متقاربة نسبياً، وتتقدمها مجموعات تنتشر رأسياً في وضعيات قتالية خلال التقدم، وهو أمر غير معهود أو أقله معروف سابقاً من أساليب حزب الله ومشاركاته في معارك سوريا خاصة لجهة اعتماده المجموعات الصغيرة التي لا يتجاوز عددها الـ ٧ مقاتلين.
وكعادته دمج حزب الله كل الخبرات منتجاً أساليب جديدة، فنفذت وحداته وفي وقت واحد، أساليب «الهجوم الصامت» و«الهجوم بالأرتال» و«الهجوم تحت النار»، حيث عمدت قيادة العمليات الى الدفع بوحدات متقدمة للتموضع بشكل «صامت» تحت مواقع الارهابيين تتبعها أرتال جاهزة للهجوم فور بدء التمهيد الناري الكثيف وليس بعده كما جرت العادة، وهذا أيضاً ما شكل عامل مفاجأة ومباغتة في آن، أجبر مقاتلي النصرة على الفرار من مواقعهم بعدما اكتشفوا أن من يهاجمهم موجود تحت سواترهم ودشمهم لحظة بدء الاشتباك.
« المقاومة كسرت خطوط دفاع العدو في عرض وعمق المنطقة الدفاعية ونفذت مناورات قتالية هجومية خلف خطوط العدو» (من بيان غرفة عمليات المقاومة)
اعتمدت قيادة العمليات خططاً مبتكرة، تمثلت أولاً في انطلاق العمليات من جرود فليطة بشكل أفقي باتجاه المرتفعات المطلة على الحدود اللبنانية، ومن الجهة اللبنانية تقدمت الوحدات بشكل رأسي في عمق منطقة سيطرة النصرة (سهل الرهوة – ضهر الهوا)، ونفذت القوات مناورات قتالية هجومية على الأجنحة (من التلال غرب قرنة القنزح)، لتشكل الهجمات بمجملها عملية إطباق صاعقة وسريعة على مختلف المواقع بشكل يُشعر المدافع بأن هامش المناورة بات معدوماً ويكاد يفقده طريق الانسحاب مما يعجل بدفعه لاتخاذ القرار بالتراجع الى مواقع خلفية، وهو أمر تكرر في أكثر من موقع وتلة وأدى الى الانهيار الواسع في وقت قياسي لم يتجاوز الـ ٤٨ ساعة كما أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ج – الصدم والترويع (مروحة النيران)
اعتمدت المقاومة أسلوب الصدم والترويع بذكاء ودقة واتفان، إن من خلال تكثيف وتنويع «مروحة النيران» التي قامت بصبها فوق مواقع المجموعات الارهابية أو من خلال توقيت هذه الضربات وتحديد حجمها وتأثيرها، وبرز دور المدافع ذاتية الحركة (المثبتة على شاحنات) ومدافع الميدان الثابتة، والهاون وراجمات الصواريخ، وكان أهمها استخدام المقاومة وفي لحظة مفصلية في المعركة صاروخاً ثقيلاً معدلاً من طراز «بركان» استهدفت بواسطته تجمعاً يتوسط مواقع النصرة الرئيسية في وادي الخيل ووادي العويني ووادي الدب، وكان واضحاً من خلال المشاهد التي عرضت له، أن هدف المقاومة من استخدامه وفي تلك النقطة الجغرافية تحديداً، التسبب بصدمة وترويع كبيرين في صفوف مقاتلي النصرة، خاصة إذا ما لاحظنا بأن قوة الصاروخ التدميرية كانت كبيرة (ودوي الانفجار بين مجموعة من الأودية ينتج تردداً يتفاعل ويتضاعف عبر الممرات الجبلية على شكل بوق «مكبر للصوت ومتعدد الفوهات»).
المدافع المحمولة (ذاتية الحركة) حضرت بقوة في الميدان
اللافت أيضاِ في التمهيد والغطاء الناري الذي أمنته وحدات الصواريخ والاسناد المدفعي كان الحضور المتنوع للصواريخ الموجهة لا سيما «كورنيت» و«مالوكا» و«التاو».
الصواريخ الموجهة على أنواعها حافظت على مكانتها في خطط حزب الله

د – الرصد والاستطلاع
نشر الإعلام الحربي ووسائل الاعلام المختلفة، مشاهد وصوراً للعديد من منصات «الرصد» المزودة بمناظير والتي تم نصبها على المرتفعات المحيطة بمنطقة العمليات، وكان لافتاً أيضاً ظهور أجهزة وأعمدة الإرسال الخاصة بسلاح الإشارة والمنصوبة إلى جانب منصات الرصد الثابتة.

هـ – سلاح الجو
تكفلت الطائرات المسيرة بإجراء مسح متواصل وعلى مدار الساعة لمنطقة العمليات، ونقلت لحظة بلحظة مشاهد من أرض المعركة إلى شاشات غرف العمليات الميدانية الفرعية والرئيسية، كما نقلتها إلى شاشات التلفزة ووسائل التواصل، وبشكل متعمد لتظهير حجم السيطرة والتحكم في الميدان، والإطباق على مواقع الارهابيين والتمكن من «نقل الصورة» الشاملة للمنطقة ووضعها أمام قادة العمليات والمخططين للتأكد من سير المعارك بحسب الخطط الموضوعة أو لإجراء أي تعديل فيها وبشكل فوري بحسب التطورات على الأرض.
أما لجهة الاستخدام الحربي للطائرات المسيرة، فقد نشرت بعض المواقع التابعة للنصرة صوراً ومشاهد فيديو لطائرة قالت بأنه تم اسقاطها خلال قيامها بتنفيذ غارات بواسطة قنابل مختلفة عن «العنقوديات» التي تم استخدامها سابقاً في حلب، وتظهر المشاهد أيضاً قيام الطائرة بتنفيذ الاغارة على مراحل مما يؤشر لقدرات تحكم جديدة في الإطلاق.

و- أجهزة التعقب والرصد الحراري
لفت استخدام حزب الله لمنظومات التعقب والرصد الحراري، التي ساهمت في كشف مواقع تمترس وتحصن عناصر النصرة في مواقع يصعب رصدها. وكشف كافة تحركاتهم وتموضعاتهم خلف أو داخل أي «موانع للرؤية» العادية.
كل ما سبق وأشرنا هو مجرد أمثلة ونماذج مستقاة من المشاهدة والمتابعة للعديد من المقاطع المصورة والصور والقليل مما نُشر أو صدر عن قيادة العمليات، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على تغير نوعي وعددي في قدرات جيش «حزب الله»، وهذا إذا ما قيس نسبة لما يُعرف عن الحزب من التكتم والحرص على إبقاء قدراته النوعية طي الكتمان، فإنه يعني أننا بتنا اليوم أمام جيش جديد بكل ما للكلمة من معنى، تستطيع قيادته الدفع بأعداد كبيرة من المقاتلين، تحت غطاء مدفعي وصاروخي كثيف، وبإسناد جوي رصداً وقصفاً، ومزود بأحدث أجهزة الرصد والتعقب والاستشعار ومنظومة اتصالات متطورة. هذا الجيش الجديد، سيحتاج تلمس عديده وامكانياته وأنواع أسلحته الى الكثير من الدراسة والتمحيص والمعلومات.. التي نعلم جيداً أنها ستظل مستعصية حتى على أقوى أجهزة المخابرات .. فكيف الحال بالنسبة للإعلام!.
(اي اقتباس يجب أن لا يتجاوز الـ ١٠ بالمئة مع الإشارة للمصدر، أي نقل كامل حتى مع ذكر المصدر يعتبر «اعتداء على الحقوق» الخاصة بالصفحة، وأي نقل كامل للمحتوى يعتبر سرقة موصوفة تستوجب التشهير والادانة ولاحقاً كل الاجراءات القانونية المتاحة)

By admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع مشابهة